مغادرة المورسكيين لإسبانيا وتعرضهم للاظطهاد
رسالة مؤثرة تذرف منها العيون
كانت مغادرة المورسكيين لإسبانيا بعد سقوط غرناطة و تعرضهم للتعذيب في محاكم التفتيش من الأمور الصعبة والخطيرة، اتخذت فيها السلطات الإسبانية الكثير من إجراءات الحراسة المشددة للثغور والشواطئ تحوُّطا من فرار المورسكيين إلى شواطئ المغرب الإسلامي. وفي ظل تلك الظروف العصيبة، أرسل مسلموا الأندلس إلى علماء العدوة يستفتونهم في مصابهم وكيف يتعاملون مع قرار تنصيرهم الذي خيرهم بين الكاثوليكية أو الويل والثبور، فأجابهم أحد هؤلاء الفقهاء وهو الفقيه ابن أبي جمعة الوهراني المغراوي، بفتوى وُجهت لهم أساسا لمواجهة التنصير القسري.
التعريف بابن أبي جمعة المغراوي :
هو الفقيه أبو العباس أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني عالم ومقرىء وأديب، صاحب الفتوى الشهيرة إلى الموريسكيين من أهل الأندلس، وكتاب “جامع جوامع الاختصار والتبيان فيما يعرض بين المعلمين وآباء الصبيان ” والذي كتبه حوالي العام 898هـ – 1493م.. توفي في العشرة الثالثة من القرن العاشر”. ونسبة “المغراوي” إلى مغراوة وهي قبيلة من زناته، إحدى كبرى قبائل البربر، و نسبته إلى وهران المدينة المعروفة، فلأنها تقع في مجالات مغراوة
فحوى الرسالة :
كتبت الرسالة سنة 1504 بالعربية، وحُملت إلى الجزيرة الإيبيرية عبر بلنسية التي كان ميناؤها معبرا للقادمين من وإلى الأندلس. ترجم المورسكيون هذه الفتوى إلى اللغة الإسبانية بالحروف العربية (الألخميادو) سنة 1563م
«الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً، إخواننا القابضين على دينهم كالقابض على الجمر، ممن أجزل الله ثوابهم فيما لقوا فى ذاته، وصبروا النفوس والأولاد فى مرضاته، الغرباء القرباء إن شاء الله من مجاورة نبيه فى الفردوس الأعلى من جناته، وارثو سبيل السلف الصالح فى تحمل المشاق، وإن بلغت النفوس إلى التراق، نسأل الله أن يلطف بنا، وأن يعيننا وإياكم على مراعاة حقه، بحسن إيمان وصدق، وأن يجعل لنا ولكم من الأمور فرجاً، ومن كل ضيق مخرجا
بعد السلام عليكم، من كاتبه إليكم، من عبيد الله أصغر عبيده، وأحوجهم إلى عفوه ومزيده، عبيد الله تعالى أحمد بن بوجمعة المغراوى ثم الوهرانى كان الله للجميع بلطفه وستره، سائلاً من إخلاصكم وغربتكم حسن الدعاء، بحسن الخاتمة والنجاة من أهوال هذه الدار، والحشر مع الذين أنعم الله عليهم من الأبرار، ومؤكداً عليكم فى ملازمة دين الإسلام آمرين به من بلغ من أولادكم، إن لم تخافوا دخول شر عليكم من إعلام عدوكم بطويتكم، فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس، وإن ذاكر الله بين الغافلين كالحي بين الموتى، فاعلموا أن الأصنام خشب منجور، وحجر جلمود لا يضر ولا ينفع، وأن المُلك مُلك الله ما اتخذ من ولد، وما كان معه من إله، فاعبدوه واصطبروا لعبادته، فالصلاة ولو بالإيماء، والزكاة ولو كأنها هدية لفقيركم أورياء، لأن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم، والغُسل من الجنابة، ولو عوماً فى البحور، وإن مُنعتم فالصلاة قضاء بالليل لحق النهار، وتسقط فى الحكم طهارة الماء، وعليكم بالتيمم ولو مسحاً بالأيدى للحيطان، فإن لم يمكن فالمشهور سقوط الصلاة وقضاؤها لعدم الماء والصعيد، إلا أن يمكنكم الإشارة إليه بالأيدى والوجه إلى تراب طاهر أو حجر أو شجر مما يتيمم به، فاقصدوا بالإيماء، نقله ابن ناجى فى شرح الرسالة لقوله عليه السلام: فأتوا منه ما استطعتم، وإن أكرهوكم فى وقت صلاة إلى السجود للأصنام أو حضور صلاتهم فأحرموا بالنية، وانووا صلاتكم المشروعة، وأشيروا إلى ما يشيرون إليه من صنم، ومقصودكم الله، وإن كان لغير القبلة تسقط فى حقكم كصلاة الخوف عند الالتحام، وإن أجبروكم على شرب خمر، فاشربوه لا بنية استعماله، وإن كلفوا عليكم خنزيراً فكلوه ناكرين إياه بقلوبكم، ومعتقدين تحريمه، وكذا إن أكرهوكم على محرم، وإن زوجوكم بناتهم، فجائز لكونهم أهل الكتاب، وإن أكرهوكم على إنكاح بناتكم منهم، فاعتقدوا تحريمه لولا الإكراه، وإنكم ناكرون لذلك بقلوبكم، ولو وجدتم قوة لغيرتموه
وكذا إن أكرهوكم على ربا أو حرام فافعلوا منكرين بقلوبكم، ثم ليس عليكم إلا رءوس أموالكم، وتتصدقون بالباقى، إن تبتم لله تعالى، وإن أكرهوكم على كلمة الكفر، فإن أمكنكم التورية والإلغاز فافعلوا، وإلا فكونوا مطمئنى القلوب بالإيمان إن نطقتم بها ناكرين لذلك، وإن قالوا اشتموا محمداً فإنهم يقولون له مُمَد، فاشتموا مُمَداً، ناوين أنه الشيطان، أو ممد اليهود فكثير بهم اسمه، وإن قالوا عيسى ابن الله، فقولوها إن أكرهوكم، وانووا إسقاط مضاف أى عبد الله مريم معبود بحق، وإن قالوا قولوا المسيح ابن الله، فقولوها إكراها، وانووا بالإضافة للملك كبيت الله لا يلزم أن يسكنه أو يحل به، وإن قالوا قولوا مريم زوجة له، فانووا بالضمير ابن عمها الذى تزوجها فى بنى إسرائيل ثم فارقها قبل البناء، قاله السهيلى فى تفسير المُبهم من الرجال فى القرآن، أو زوجها الله منه بقضائه وقدره، وإن قالوا عيسى قد توفى بالصلب، فانووا من التوفية والكمال والتشريف من هذه، وإماتته وصلبه وإنشاد ذكره، وإظهار الثناء عليه بين الناس، وأنه استوفاه الله برفعه إلى العلو، وما يعسر عليكم فابعثوا فيه إلينا نرشدكم إن شاء الله على حسب ما تكتبون به، و أنا أسأل الله أن يُديل الكرة للإسلام حتى تعبدوا الله ظاهراً بحول الله، من غير محنة ولا وجلة، بل بصدمة الترك الكرام، ونحن نشهد لكم بين يدى الله أنكم صدقتم الله ورضيتم به، ولابد من جوابكم، والسلام عليكم جميعاً.
بتاريخ غرة رجب عام عشرة وتسع مائة عرف الله خيره
يصل إلى الغرباء إن شاء الله تعالى»
مصدر الفتوى : كتاب"دولة الإسلام فى الأندلس" لمحمد عبد الله عنان الجزء السابع ـ ص 342 ـ344
عائدون أمتي لاتبكي
